recent
أخبار ساخنة

كيف نجعل من أبنائنا أفرادًا مبدعين






اجمل ما في العالم هو الحدس أو الفكرة اللامعة".. إحدى المقولات المشهورة لعالِم الفيزياء الفذ "ألبرت أينشتاين".

ولكن لماذا كان أينشتاين يشاهد أن الخيال أهمً من المعرفة؟ هل لأنه هو ما يوسع لنا عالمنا، ويحررنا من سجن الحواس الذي قد يُعجزنا عن بصيرة الحقيقة وتصورها؟ أم لأنه هو ما يجلب لنا الحديث من الأفكار والاختراعات والاكتشافات؟ على أي الحالات يوجد السؤال الـمُلِح، من أين تأتي هذه الأفكار اللامعة التي تتم عنها أينشتاين؟

ذلك ما حاولت التعرف عليه دراسة جديدة، أجراها فريق بحثي من العديد من جامعات أمريكية، ونُشرت نتائجها في دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الامريكية الأمريكية ( .(PNAS

اختتم باحثو التعليم بالمدرسة إلى أنه يمكن لمسح طفيف للدماغ تحديد ما لو كان الأفراد يتمتعون بأفكار إبداعية، وما الأنحاء الدماغية التي تتحمل مسئولية هذا؟ وهل من المحتمل للخبراء استهداف أنحاء الرأس التي تتحمل مسئولية إصدار "الأفكار الإبداعية" في المستقبل، لجعلنا أكثر ابتكارًا؟

وتوصَّل الباحثون إلى أن تمكُّن الأفراد على التفكير الإبداعي يمكن فهمها جزئيًّا، من خلال الربط بين ثلاث شبكات متعلقة بالفكر الإبداعي في الرأس؛ إذ اكتشفوا أن المبتكرين يملكون روابط أشد بين تلك الأنحاء الثلاث، مضاهاة بأولئك الذين كانوا أقل ابتكارًا.

يقول "روجيه بيتي"، الباحث بقسم معرفة النفس بجامعة هارفارد، وأحد باحثي التعليم بالمدرسة، في نص له بمجلة كونفرسيشن العلمية: "توميء مؤشرات علمية إلى أن الإبداع ينطوي على تفاعُل عويص بين ما يُعرف بالتفكير العفوي والتفكير المراقب".

والتفكير المراقب، بحسب بيتي، هو التمكن من عصف الأفكار على نحو عفوي وتقييمها عمدًا لتحديد ما إذا قد كانت ستعمل إجراءًا أم لا.

بدائل غير مألوفة

أجرى الفريق البحثي امتحانًا تقليديًّا لطرق التفكير المتباينة لعينة مكونة من 163 فردًا، طُلب منهم أن يقدموا استخدامات بديلة غير مألوفة لبعض الأشياء، مثل الممحاة، والجوارب، وغيرها.

تراوحت لائحة الحلول من الاستعمال الدارج للجوارب بهدف التدفئة حتى استخدامات غير مألوفة، كاستخدامه في تنقية المياه.

وبطبيعة الوضع، حصلت الحلول غير الروتينية على درجات للتقييم أعلى من هذه التي تركز على الاستخدامات المألوفة. كما تبيَّن أن الأشخاص الذين يمارسون نشاطات إبداعية كالفن والرسم حصلوا على تقييمات أمثل من أقرانهم.

صمم الفريق البحثي نموذجَ تنبؤ لدراسة الرابطة بين قوة وصلات الرأس وتحقيق درجات عالية من الإبداع في تلك الامتحانات.

بهدف هذا، استخدم الباحثون أشعة الرنين المغناطيسي الوظيفي، لقياس الاتصال الوظيفي بين جميع أنحاء الرأس –بصيغة أخرى إلى أي نطاق يتعلق النشاط بداخل منطقةٍ ما في الرأس مع النشاط داخل حدود منطقة أخرى؟

أظهرت النماذج حضور رابطة ارتباط قوية بين درجات الإبداع المنتظر وقوعها والملحوظة بحسبًا لدرات الترابط بين أنحاء الرأس المشار إليها.

وبعبارة أخرى، يمكن تقييم نطاق الإبداع الذي تستند إليه أفكار الفرد تشييدً على قوة الصلة في شبكة الإبداع، فقد تبين للباحثين أيضًا أن الأفراد الذين يتمتعون بتواصل قوي بين شبكات الرأس تلك يكونون أكثر مقدرةً على توليد أفكار خلاقة مبدعة.

الشبكة عالية الإبداع

بحسبًا للدراسة، فإن ما أُطلِقَ عليه أنحاء الشبكة "عالية الإبداع" المتواجدة بالدماغ تضم ثلاث أنحاء تُعَد مسؤولةً عن الأفكار الإبداعية لدى الأشخاص: الشبكة الافتراضية، وشبكة الرقابة التنفيذية، والشبكة التوافقية.

الشبكة الافتراضية: هي مجموعة من أنحاء الرأس التي تنشط عندما يساهم الناس في التفكير العفوي، مثل هيام الذهن، أحلام اليقظة والتخيل، وتؤدي تلك الشبكة دورًا أساسيًّا في توليد الأفكار أو العصف الذهني -التفكير في الكثير من الإجابات الممكنة لمشكلة.

شبكة الرقابة التنفيذية: هي مجموعة من الأنحاء التي تنشط عندما يفتقر المرء إلى التركيز أو إحكام القبضة على عمليات التفكير، وتؤدي تلك الشبكة دورًا أساسيًّا في تقدير الفكرة أو تحديد ما إذا قد كانت الأفكار التي يجري تبادلها ستعمل إجراءًا أو أنه من المحتمل تطويرها لتلائم المبتغى الإبداعي.

الشبكة التوافقية: هي مجموعة من الأنحاء العاملة كآلية تغيير بين الشبكات الافتراضية والتنفيذية، وتؤدي تلك الشبكة دورًا أساسيًّا في التناوب بين توليد الفكرة وتقييمها.

يقول بيني: في تلك التعليم بالمدرسة، فحصت أنا وزملائي، ما لو كان يمكن شرح تمكُّن التفكير الإبداعي للأفراد، جزئيًّا، من خلال الربط بين الشبكات الثلاث. يشبِّه بيني هذا الشأن بأنه مثل "كابل الاتصالات" الذي يعمل داخل أدمغتهم على نحو مغاير.

سلاح ذو حدين

اختتمت حصائل التعليم بالمدرسة الأخيرة أيضًا إلى أنه يمكن للعلماء في المستقبل استهداف أنحاء الرأس الثلاث التي نوهت إليها التعليم بالمدرسة لتدعيم التفكير المبدع، باستعمال العقاقير أو بتحفيز الرأس مغناطيسيًّا.

ويرى روجيه بيتي وجوب فعل بحوث مستقبلية لتحديد ما إذا قد كانت الشبكات الإبداعية في الرأس قابلة للتطويع أو ثابتة نسبيًّا، وعلى طريق المثال، هل يؤدي أخذ دروس الرسم إلى مبالغة التواصل داخل شبكات الرأس تلك؟ هل من الجائز تدعيم التمكن من التفكير الإبداعي العام من خلال تطوير اتصالات الشبكة؟

من جانبها، تُبدي ولاء صبري -أستاذ معاون واستشاري الطب السيكولوجي، بكلية الطب بجامعة عين شمس- بعض التخوف والحذر تجاه الشأن.

تقول صبري لـ"للعلم": "تُعَدُّ التمكن من الإبداع سلاحًا ذا حدين، إذ ترتبط الطفرات الوراثية المتعلقة بزيادة خطر الإصابة بالفصام أو التوتر الثنائي القطب بزيادة التمكن من الإبداع، فكل من هذه القلاقل النفسية والإبداع من الممكن أن يكون لها جذور جينية مشتركة"، بحسب صبري.

وعلى المنحى الآخر، تعتقد "نهال لطفي" -أستاذ معرفة النفس التربوي المعاون بكلية التربية، جامعة قناة السويس- أن عواقب ذلك البحث من الممكن أن تكون نافعة جدًّا لإرجاع البصر في عملية التدريس والتعليم في جمهورية مصر العربية؛ للعثور على وتعزيز روح الابتكار شبه الغائبة في فصولنا، على حاجز تعبيرها: "نتطلب لتخصيص وقت في هذا النهار الدراسي لتلك النوعية من التمرينات، كالاستخدامات البديلة للأغراض كنشاط إحمائي قبل العصف الفكري".

وتضيف: لا مفر من أن يكون هناك احتمالية للتأمل لدى الطلاب، فعلى طريق المثال عندما يقومون بدراسة مقال شعري يلزم ألا يطالبهم المعلم بحفظ أشكال الحُسن عن ظهر قلب، بل يعطيهم الاحتمالية للتذوق والتخيل، كما أن سيستم التقدير داخل المدارس يلزم ألا يعتمد لاغير على درجات تقيس الحفظ لاغير، لكن يلزم أن يُعلي من شأن التفكير النقدي والابتكاري.

وصفة الإبداع

بل كيف نستطيع إنماء ملكات الإبداع لدى الأفراد. طرح العلم الكثير من الأساليب لتدعيم الإبداع، باللعب والممارسة والخبرة الحاسمة، فيما يمكن أن نُطلق عليه "وصفة الإبداع". تشاهد لطفي أن هناك ثلاثة محكات للابتكارية، هي: الطلاقة، والإنصياع، والأصالة.

والطلاقة هي فرصة توليد الأفكار على نحو سريع، وهي من المحكات التي يمكن تنميتها، فهي عملية عقلية تتأثر بمبدأ الإهمال والاستخدام، وهكذا من الجائز تنميتها بالممارسة، وهناك ألعاب كثيرة تعين على إنماء الطلاقة، بحسب قول لطفي.

وتوضح أن المطواعية هي عملية عقلية أخرى، يُغاية بها التفكير في استخدامات غير مألوفة للأشياء، فعندما نرغب في ربط مسمار النظارة على طريق المثال، مَن يفكر على نحو روتيني سوف يستعمل المفك لحل تلك الإشكالية، أما مَن يتمتعون بدرجة عالية من الإنصياع فقد يفكرون في استعمال معدات أخرى كمبرد الأظافر مثلا.

 تنذر لطفي: "أعتقد أن هناك خطورة هائلة تهدد محك المطواعية، ترتبط بالأسلوب التي يُنَشِّئ بها الأهل هذا النهار أبناءهم، إذ إن الحياة المريحة التي يوفر فيها الكبار كل شيء للطفل ويساعدونه على العثور على إجابات لمشكلاته الضئيلة قد تقتل يملك تلك الملكات".

وتضرب مثالًا لهذا: "عندما يرغب في الطفل مثلًا أن يخط سطرًا في ورقته، سريعًا ما يوجهه الأهل إلى شراء مسطرة لتسهيل تلك الهامة، بينما أننا لو تركناه كي يتصرف على طريقته فقد يطلق العنان لملكة الإنصياع، وربما يجد إجاباتًا مبتكرة لتلك الإشكالية، كأن يستعمل مشط الشعر مثلًا كبديل، فالحاجة أم الاختراع، والطفل الذي يربَّى في بيئة مقيدة الموارد قد تنمَّى يملك تلك الخاصية على نحو أتوماتيك حال رغب وعمل على التغلُّب على ظروفه".

وأخيرًا يبقى المحك الثالث وهو الأصالة، وعادةً ما يكون ذلك المحك موهبةً لدى الأفراد، إذ من العسير العثور عليه من العدم، فهو إما حاضر أو لا، بحسبًا لما تشاهده لطفي، "إذا أردنا إنماء الابتكار لدى فرد ما، فعادةً ما نسعى الشغل على الصعيدين الأوّسهل، أي تمرين الأشخاص على إنماء مهارات الطلاقة والإنصياع، فقد يُكسِب هذا الذهنَ معطيات تبلغ به إلى الفكرة الأصيلة".

ثلاثة أشكال للخيال

وإذا كان الخيال هو منجم الإبداع، فهناك سؤال يطرح ذاته، نظرًا لأننا نختلف بشكل ملحوظ جدًّا في قدرتنا على التخيل، فهل من المحتمل تمرين الذات كي تصبح أكثر تمكُّنً على التخيل والابتكار؟

ترصد فاليري "فان مولوكوم" -باحثة في معرفة النفس بجامعة كوفنتري بالمملكة المتحدة، لم تساهم في التعليم بالمدرسة- ثلاثة أشكال من الخيال: الخيال الإبداعي Creative imaginationوهو ما نعتبره عادةً أحد عناصر الإبداع العظيم -Big-C creativity - كتأليف عمل فني كالأوبرا أو اكتشاف شيء رائد. ذلك النوع من الخيال يتغاير عن الإبداع اليومي، مثل التوصل إلى إجابات مبتكرة لمشاكل العائلة أو التفنن في عمل الحرف، أو غير هذا الأمر الذي نواجهه في الحياة اليومية.

وإذا كان ذلك النوع من الخيال عسير المنال، فمن الجائز أيضًا أن يعزَّز عن طريق البيئة أو من خلال بذل مجهود شاق بقصد اكتسابه.

في ذلك النسق، توميء دراسة أجرتها "إيلينا هويكا"، الباحثة بجامعة شيفيلد، وفريق بحثي من كلٍّ من جامعتي ستيرلنغ وشيفيلد إلى أنه عندما يتفاعل الأطفال مع المحتوى الإبداعي أو يرون الآخرين من حولهم يمارسون نشاطات إبداعية، فإن هذا قد يؤثر عليهم بدوره، ويصبحون على نحو أتوماتيك أكثر إبداعًا.

النوع الثاني هو الخيال الخيالي Fantastical imagination، فالتشبُّع تمامًا بفكرةٍ ما هو المفتاح للقيام بمشروع ناجح وخلّاق؛ لهذا يفتقر الأشخاص إلى شيء يسميه العلماء "الخيال الخيالي"، من خلال الانغماس في الخيال، بحيث تظهر الأوهام فيما يتعلق لك حيةً بشكل كبير وواقعية.

ورغم ما ينطوي عليه هذا النوع من الخيال من مخاطر، بل هناك مزايا عديدة لتخصيب ذلك النوع من الخيال الذي يتعلق ارتباطًا وثيقًا بزيادة مستوى الخيال الإبداعي نحو الأطفال، والقدرة على السرد وتكوين إتجاه نظر.

من جهة أخرى، إنماء ذلك النوع من الخيال لها أيضًا إمتيازات عديدة لدى البالغين، فقد يعين على ترقية الذاكرة، وخلق إجابات إبداعية للمشكلات، واكتساب التمكن من الإستراتيجية، وذلك النوع من الخيال من الجائز أيضًا تنميته.

تبين البحوث أن الأطفال الذين تم تشجيعهم من قِبَل أبويهم للمساهمة في ألعاب المحاكاة يتمتعون بمعدلات أعلى من الخيال الخيالي فيما بعد في الحياة.

وتكشف البحوث القليلة التي جرى القيام بها حتى هذه اللحظة، في ذلك النسق، عن أن الأشخاص ذوي القدرة العالية على التصوير المشهود يتمتعون بمزيد من التفاصيل الحسية نحو تخيُّل مستقبلهم.

أما ثالث نوع من الخيال فهو "الخيال العرضي" Episodic imaginationوهو مشابه للخيال الخيالي، ولكنه يستعمل في الغالب تفاصيل الذاكرة الحقيقية (العرضية) تعويضًا من التفاصيل الوهمية (الدلالية) نحو اعتقاد الأحداث في عقلنا.

ويعين ذلك النوع من الخيال الأشخاص على اعتقاد بدائل أجود للماضي والتعلم من الأخطاء، أو تخيل مستقبلهم والاستعداد له.

google-playkhamsatmostaqltradent